مواقيت الصلاة
الفجر : 04:43
الشروق : 06:00
الظهر : 12:37
العصر : 16:17
المغرب : 19:32
العشاء : 20:26
منتصف الليل : 23:53
الإمساك : 04:34
X
X
الاعلان

آداب الوضوء بحسب الباطن والقلب

آداب الوضوء بحسب الباطن والقلب

آداب الوضوء بحسب الباطن والقلب

تمهيد
إنّ تطهير الظّاهر مقدّمة لتطهير الباطن، كما إنّ طهارة الباطن لا بدّ وأن تظهر في طهارة الظّاهر. هذه هي القاعدة الكبرى في العلاقة بين الظّاهر والباطن. وكلّ من لم يلتزم بها، جنح نحو الإفراط أو التفريط، الإفراط في الاهتمام بالباطن وإهمال الظّاهر، والتّفريط بحظّ الباطن والاكتفاء بعمارة الظّاهر. وبحسب هذه القاعدة، فإنّ كلًّا من المفرِط والمفرِّط خاسر وبعيد عن الصواب، ولا يمكن أن ينال أيٌّ منهما حظّه من الكمال.

كما إنّ أنّ كلّ مرتبة من مراتب الوجود هي ظهور للمرتبة الأعلى وتجلٍّ لها. وكلّ مرتبة باطنة لا بدّ وأن تتجلّى في المرتبة التي هي أدنى منها. هذا ما تدور حوله هذه الأحاديث وما يليها من شرح وتفصيل على لسان العارف بالله والخبير بالنّفوس مما يوقظ فينا حالة الاهتمام بعمارة الباطن وتخرجنا من الجمود عند الظّاهر.

علّة الأمر بالوضوء
إنّ التّوجّه إلى المعاني الباطنة والأسرار المودعة في أحكام الشّرع الأنور هو العامل الأساسي في إحياء القلوب. ولكي يحصل هذا التوجّه، لا بدّ أوّلًا من معرفة هذه المعاني وفتح القلب على هذه الحقائق. وهنا يأتي دور أهل الله من العارفين به الذين جعلهم الله مفاتيح خزائن رحمته، ليطلعونا على حقائق الأمور وعللها.

يقول الإمام الخميني قدس سره:
"فمن ذلك ما ورد عن الإمام الرّضا عليه السلام: "إنّما أمر بالوضوء ليكون العبد طاهرًا إذا قام بين يدي الجبّار، وعند مناجاته إيّاه، مطيعًا له فيما أمر، نقيًّا من الأرجاس والنجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النّعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبّار، فإنّما ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء، وذلك أنّه بوجهه يسجد ويخضع، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتّل، وبرأسه يستقبله في ركوعه وسجوده، وبرجليه يقوم ويقعد..."1 الخبر"2.

مراعاة آداب الوضوء الظاهرية والباطنية
"فبيّن عليه السلام إلى هنا النّكتة الأساس للوضوء، ونبّه أهل المعرفة وأصحاب السّلوك بأنّ للوقوف في محضر الحقّ جلّ وعلا وللمناجاة مع قاضي الحاجات آدابًا، لا بدّ أن تُلاحظ.

فمع القذارات الصّوريّة والأوساخ وكسل العين الظّاهرة أيضًا لا ينبغي أن يحضر في ذلك المحضر، فكيف إذا كان القلب معدنًا للأوساخ ومبتلىً بالقاذورات المعنويّة التي هي أصل جميع القذارات، مع أنّه ورد في الرواية: "إنّ الله تعالى لا ينظر إلى صوركم، بل ينظر إلى قلوبكم"3. ومع أنّ ما يتوجّه به الإنسان إلى الحقّ تعالى، ومن يليق من العوالم الخلقية للنظر إلى كبرياء العظمة والجلال، هو القلب، وليس لما سواه من الأعضاء والجوارح حظّ أو نصيب، مع ذلك ما أهملت الطّهارة الصورية والنظافة الظّاهرية، فأُمروا بصورة الطّهارة لصورة الإنسان وباطنها لباطنه"4.

الطهارة الظاهرية مقدّمة للطهارة الباطنية
ويكمل الإمام الخميني قدس سره قائلًا: "ومِنْ جعله عليه السلام تزكية القلب ـ في هذا الحديث الشريف ـ من فوائد الوضوء يُعلم أنّ للوضوء باطنًا تحصل به تزكية الباطن، ويُعلم أيضًا الرّابطة بين الظّاهر والباطن والشهادة والغيب، ويُستفاد أيضًا أنّ الطّهور الظّاهريّ والوضوء الصوريّ من العبادات وطاعة الربّ. ومن هذه الجهة الطّهور الظّاهر موجب للطّهور الباطن، ومن الطّهارة الصوريّة تحصل تزكية الفؤاد.

وبالجملة، لا بدّ للسّالك إلى الله من التوجّه في وقت الوضوء إلى أنّه يريد التوجّه إلى المحضر المقدّس لحضرة الكبرياء. ومع حالاته القلبيّة هذه لا يليق للمحضر، بل إنّه قد يُطرد من جناب العزّ الربوبيّ، فليشمّر ذيل همّته حتى يُسري الطّهارة الظّاهرية إلى الباطن، ويطهّر قلبه ـ الذي هو مورد نظر الحقّ، بل منزل حضرة القدس ـ من غير الحقّ، ويخرج من رأسه التفرعن وحبّ النّفس الذي هو أصل أصول القذارات، كي يليق للمقام المقدّس".

وقال أيضًا: "وعليه، فإنّ تطهير القلب الذي هو المحل الحقيقيّ للعبوديّة والمركز الواقعيّ لتلك المعاني يكون ألزم. وبدون تطهير القلب، لو غُسلت الأعضاء الصوريّة بسبعة أبحر ما تطهّرت، وما وُجد فيها لياقة لذلك المقام، بل يكون للشّيطان فيها تصرّف ويكون المرء مطرودًا من حضرة العزّة"5.

حقيقة الوضوء
إنّ أحوال الأنبياء التي تظهر في سرّ علاقتهم بالله تعالى هي أفضل ما يبيّن حقيقة المقامات المعنويّة، وما يظهر منهم بصورة الذّنب في الآيات والرّوايات ليس سوى بيان لهذه المقامات، لأنّ المقام الأعلى يظهر من نقص المقام الأدنى. وفي شرحه لما ورد عن كتاب العلل، يتعرّض الإمام الخميني قدس سره لهذه الحقيقة، قال: "جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسألوه عن مسائل، وكان فيما سألوه: أخبرنا يا محمد، لأيّ علّة توضَّأ هذه الجوارح الأربع، وهي أنظف المواضع في الجسد؟

فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لمّا أنْ وسوس الشّيطان إلى آدم عليه السلام، دنا من الشّجرة، فنظر إليها فذهب ماء وجهه، ثمّ قام ومشى إليها، وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة، ثمّ تناول بيده منها ما عليها وأكل، فتطاير الحلي والحلل عن جسده، فوضع آدم يده على أمّ رأسه وبكى، فلمّا تاب الله عليه، فرض الله عليه وعلى ذريّته تطهير هذه الجوارح الأربع، فأمر الله عزّ وجلّ بغسل الوجه لمّا نظر إلى الشجرة، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لمّا تناول بهما، وأمر بمسح الرأس لمّا وضع يده على أمِّ رأسه، وأمره بمسح القدمين لمّا مشى بهما إلى الخطيئة"6.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "فمن هذه الأحاديث الشّريفة لأهل الإشارات وأصحاب القلوب فوائد، منها أنّ خطيئة آدم عليه السلام، مع إنّها لم تكن من قبيل خطايا غيره، بل لعلّها كانت خطيئة طبيعيّة أو إنّها كانت خطيئة التّوجّه إلى الكثرة التي هي شجرة الطّبيعة، أو كانت خطيئة التوجّه إلى الكثرة الأسمائية بعد جاذبة الفناء الذاتيّ، ولكنّها لم تكن متوقّعة من مثل آدم عليه السلام الذي كان صفيّ الله والمخصوص بالقرب والفناء الذاتيّ، ولهذا أعلن الذات المقدسة بمقتضى الغيرة الحبيّة وأذاع عصيانه وغوايته في جميع العوالم وعلى لسان جميع الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى7 ـ ومع ذلك، لا بدّ من كلّ هذا التطهير والتنزيه له ولذرّيته التي كانت مستكنّة في صلبه ومشتركة في خطيئته، بل شاركوا في الخطيئة بعد الخروج من صلبه أيضًا.

فكما إنّ لخطيئة آدم وأبنائه مراتب ومظاهر ـ فأوّل مرتبتها التوجّه إلى الكثرات الأسمائيّة، وآخر مظاهرها الأكل من الشجرة المنهيّة التي صورتها الملكوتية شجرة فيها أنواع الثمّار والفواكه، وصورتها الملكيّة هي الطّبيعة وشؤونها، وإنّ حبّ الدّنيا والنّفس الموجودين إلى يومنا هذا في الذريّة لمن شؤون هذا الميل إلى الشّجرة والأكل منها ـ كذلك لتطهيرهم وتنزيههم وطهارتهم وصلاتهم وصيامهم للخروج من خطيئة الأب، (التي هي الأصل)، مراتب كثيرة مطابقة لمراتب الخطيئة.

وقد عُلم من هذا البيان أنّ جميع أنواع المعاصي القالبية لابن آدم هي من شؤون أكل الشجرة، وتطهيرها على نحوٍ خاص، وأنّ جميع أنواع المعاصي القلبيّة أيضًا من شؤون تلك الشجرة وتطهيرها بنحوٍ آخر، وأنّ جميع أنواع المعاصي الروحية من تلك وتطهيرها بطور خاص.

وإنّ تطهير الأعضاء الظّاهرية هو ظلّ الطّهارات القلبيّة والروحيّة للكمّل، وهو حكمهم ووسيلتهم لأهل السّلوك.

وما دام الإنسان في حجاب تعيّن الأعضاء وطهارتها، وواقفًا في ذلك الحدّ، فليس من أهل السلوك، وهو باقٍ في الخطيئة.

فإذا اشتغل بمراتب الطهارات الظّاهرية والباطنية وجعل الطهارات الصورية القشرية وسيلة للطهارات المعنويّة اللّبية، ولاحظ في جميع العبادات والمناسك حظوظها القلبيّة، وحاز عليها، بل اهتمّ بالجهات الباطنية أكثر من الظّاهرية، وعرف أنّها هي المقصد الأعلى دخل في باب سلوك طريق الانسانية، كما أشار اليه في الحديث الشريف في مصباح الشّريعة: "وطهّر قلبك بالتقوى واليقين عند طهارة جوارحك بالماء"8"9.

إنّ الأصل في الأنبياء هو العصمة. وهذه العصمة ترتبط بمجال دعوتهم وما تستلزمه الدعوة من كونهم قدوة وأسوة، ومن ضرورة عدم التشنيع أو التعيير لهم، لأنّ ذلك منافٍ للغرض من الدعوة، وهو تبيين الصّراط المستقيم وطريق الهداية وتيسير سلوكه.

أمّا ما لا ينقض الغرض فليس بمنافٍ للعصمة، ولهذا نجد أنّ الله تعالى نسب بعض المعاصي والذنوب إلى أنبيائه فيما لا علاقة له بدورهم الرساليّ.

ولا شكّ بأنّ الحديث عن هذه الخطايا ليس لأجل الطّعن أو الذمّ والتّوهين، وإنّما هو إشارة إلى دقائق السّير إلى الله وخفايا وأسرار المقامات والدّرجات. وهذه الدقائق ترجع أيضًا إلى مقامات الربّ المتعال وشؤونه العظمى.

فإذا وصل السّالك إلى بعض المقامات قد يحسبها غاية ونهاية، وهو لا يدري أنّ بعدها مقامات أُخر، وأنّ الرّكون إلى ما وصل إليه يُعدّ أعظم أسباب الهلاك، لهذا وجب بيان المشكلة والعيب في المقام المذكور، حتى لا يركن إليه صاحبه وينتقل منه.

الخطوط العامّة للسّير والسّلوك
بكلمات وجيزة يختصر الإمام قدس سره أركان برنامج السّير والسلوك، وهي:

1- هدف البرنامج:
"وغاية هذا السّلوك هي تخلية النّفس من غير الحقّ، وتحليتها بالتجليّات الأسمائية والصفاتية والذاتية، فإذا حصل للسالك هذا المقام، فحينئذٍ ينتهي سلوكه، وتحصل له الغاية في السّير الكمالي"10.

2- آثار الوصول وعلائمه:
يقول الإمام الخميني قدس سره: "... فينال أسرار النسك والعبادات ولطائف السلوك، وهي التجلّيات الجلالية التي هي أسرار الطّهارات، والتجلّيات الجمالية التي هي غاية العبادات الأخرى، وتفصيلها خارج عن نطاق هذه الاوراق"11.

فأسرار الطّهارة ترجع إلى الإزالة، ولهذا فإنّها تشير إلى المعاني الجلالية، لأنّ في الجلال جهة الطّرد. وغاية الإزالة أو التّطهير هي التحلية والجذب التي ترجع جميعًا إلى الجمال.

فمن تفكّر في الطّهارة شهد المعنيين، وصار مستعدًّا لإدراك الحقيقتين، ليكون بذلك على مقربة من الوصول إلى حقيقة الحقائق وغاية الغايات للسلوك الإنسانيّ، وهو إدراك الاسم الأعظم.

3- شروطه الأساسية:
يقول الإمام الخميني قدس سره: "فيلزم للإنسان السّالك: أوّلًا، السلوك العلميّ كي يشخّص ببركة أهل الذكر عليهم السلام مراتب العبادات، ويرى العبادات الصورية مرتبة نازلة للعبادات القلبيّة والروحية، ثمّ يشرع في السلوك العمليّ الذي هو حقيقة السلوك"12.

فإنّ مراتب العبادة عبارة عن مراتب السّلوك لا يهتدي إليها إلا من تمسّك بالواصلين. ويُعلم حينئذٍ أنّ هذه الأحكام الظّاهرية هي وسيلة الوصول إلى الحقائق الباطنية.

* كتاب الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده).


1- الصدوق، محمد بن علي‏، ابن بابويه، علل الشرائع‏، قم،نشر مكتبة داوري‏، 1427 هـ.، ط 1‏، ج1، ص 257، وقد ورد الحديث على الشكل الآتي: إنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ وَبُدِئَ بِهِ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ يَكُونُ الْعَبْدُ طَاهِراً إِذَا قَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ عِنْدَ مُنَاجَاتِهِ إِيَّاهُ، مُطِيعاً لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ، نَقِيّاً مِنَ الْأَدْنَاسِ وَالنَّجَاسَةِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ الْكَسَلِ وَطَرْدِ النُّعَاسِ وَتَزْكِيَةِ الْفُؤَادِ لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَمسح الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ قَائِماً يَنْكَشِفُ‏ مِنْ‏ جَوَارِحِهِ‏ وَيَظْهَرُ مَا وَجَبَ فِيهِ الْوُضُوءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بِوَجْهِهِ يَسْتَقْبِلُ وَيَسْجُدُ وَيَخْضَعُ، وَبِيَدِهِ يَسْأَلُ وَيَرْغَبُ وَيَرْهَبُ وَيَتَبَتَّلُ، وَبِرَأْسِهِ يَسْتَقْبِلُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَبِرِجْلَيْهِ يَقُومُ وَيَقْعُد.
2- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 78.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج11، ص 264. وقد ورد في هذه الصورة: "لَا يَنْظُرُ إِلَى‏ صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُم".‏
4- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 78.
5- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 78 - 80.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص 55 - 56.
7- سورة طه، الآية 121.
8- الامام جعفر الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، ص 129.
9- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 81 - 82.
10- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 82.
11- م.ن، ص 82.
12- م.ن، ص 82.

| 3317 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد